للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان أمر موسى فيما جرى من مناوشة ملك الموت، وهو يراه بشراً، فلما عاد الملك إلى ربه مستثبتاً أمره فيما جرى عليه رد الله عليه عينه، وأعاده رسولاً إليه ليعلم نبي الله صوات الله عليه إذا رأى صحة عينه المفقوءة وعود بصره الذاهب أنه رسول الله، بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكل ذلك رفق من الله به، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه والانقياد لقضائه.

قال: وما أشبه معنى قوله: ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، بترديده رسوله، ملك الموت، إلى نبيه موسى عليه السلام فيما كرهه من نزول الموت به لطفاً منه بصفيه وعطفاً عليه، والتردد على الله تعالى وتقدس غير جائز، من رسول أو شيء غيره كما شاء سبحانه، تنزه عن صفات المخلوقين، وتعالى عن نعوت المربوبين الذين يعتريهم في أمورهم الندم والبداء، وتختلف بهم العزائم والآراء " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".

قال الحسن:

مات موسى عليه السلام، فلم يدر أحد من بني إسرائيل أين قبره، وأين توجه، فماج الناس في أمره فقالوا: ما نرى رسول الله رجع، ورأوه حين خرج، فلبثوا بذلك ثلاثة أيام لا ينامون الليل، يموج بعضهم في بعض، فلما كان بعد ثالثة غشيتهم سحابة على قدر محلة بني إسرائيل، وسمعوا فيها منادياً ينادي، يقول بأعلى صوته: مات موسى وأي نفس لا تموت، يكرر ذلك القول حتى فهمه الناس، فعلموا أنه قد مات، فلم يعرف أحد من الخلائق أين قبره.

قالوا: وما اطلع أحد على قبر موسى إلا الرخمة، فنزع الله عقلها لكيلا تدل عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>