وحدث عن سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: بلغني أن ريحاً تكون في آخر الزمان وظلماً فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم قد مسخوا.
قدم مؤمل بن يهاب الرملة، فاجتمع عليه أصحاب الحديث، وكان زعراً ممتنعاً، فألحوا عليه فامتنع أن يحدثهم، فمضوا بأجمعهم، وأكنوا بينهم السير، فتقدموا إلى السلطان فقالوا: إن لنا عبد سبياً، له علينا حق صحبة وتربية، وقد كان أدبنا فأحسن لنا التأديب، وآلت بنا الحال إلى الإهنة بحمل المحبرة وطلب الحديث، وإنا أردنا بيعه فامتنع علينا. فقال لهم السلطان: وكيف أعلم صحة ما ذكرتم؟ قالوا: إن معنا بالباب جماعة من حملة الآثار وطلاب العلم تكتفي بالنظر إليهم دون المسألة عنهم، وهم يعلمون ذلك.
فسمع مقالتهم، ووجه خلف المؤمل بالشرط والأعوان يدعونه فتعزز؛ فجذبوه وجرروه، وقالوا: أخبرنا أنك قد استطعمت الإباق، فصار معهم إلى السلطان فقال له: ما يكفيك الإباق حتى تتعزز على سلطانك؟ احبسوه، فحبس.
وكان مؤمل أصفر طوالاً خفيف اللحية، يشبه عبيد أهل الحجاز.
فأقام أيام حتى علم بذلك جماعة من إخوانه، فصاروا إلى السلطان، فقالوا: إن هذا مؤمل بن يهاب في حبسك مظلوم، فقال: من ظلمه؟ قالوا: أنت، قال: ما أعرف، ومن هو مؤمل؟ قالوا: الشيخ الذي اجتمع عليه جماعة، فقال: ذاك العبد الآبق؟ قالوا: ما هو بآبق، بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث، فأمر بإخراجه، وسأله عن حاله، فأخبره كما أخبره الذين جاؤوا يذكرون حاله، فصرفه، وسأله أن يحله، فلم يزل مؤمل بعد ذلك ممتنعاً امتناعه الأول حتى لحق بالله عز وجل.