أيها الناس إنما هم عبيدكم وسقاطكم، كأن الرجل يجزع إذا لقيه عبده أن يأخذه أخذاً، شدوا باسم الله إلى عدوكم.
كل ذلك يريد أصحابه على أن يسيروا ولا يسيرون فقال: إن القوم سيهفون إليكم، فإذا أتوكم فثوروا في وجوههم، وارموهم بالحجارة، وأمرهم أن يأخذ كل رجل ثلاثة أحجار في مخلاته، فأقبل القوم، فجعل الرجل يرمي الرجل فيصيب وجهه فيصرعه، ويصيب وجه فرسه فيشب بفارسه فيصرعه، فقاتلوهم إلى العصر فلما اشتد القتال أخرجوا ألفي مدجج لم يشهدوا القتال، فقاتلوهم حتى اصفرت الشمس.
قال: فحملوا علينا حملة ألجؤونا إلى عسكرنا، ورجعوا إلى عسكرهم، فانطلق رجل من اليحمد على فرس، فدخل عسكرهم فلم يجد فيه أحداً، فرجع إلى المهلب فقال: ذهب والله القوم، فأرسل معي رسولاً، فأرسل فوجد الأمر حقاً، وأصبحوا وقد انطلقوا، فذكر من عد القتلى لهم أربعة آلاف وثمان مئة.
كتب الحجاج إلى المهلب يستبطئه في حرب الأزارقة، فكتب إليه: ما أنتظر بالقوم إلا إحدى ثلاث: إما موت شامل، أو جوع قاتل، أو فرقة، فأما غير ذلك فلا سبيل إليه.
وكتب إليه يستعجله في حربهم، فكتب إليه: إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره.
ولما واقف المهلب الأزارقة كان يتحرر من الثياب تحرراً شديداً فكان يسهر هو وابنه المغيرة، يدوران في أقاصي العسكر، يحرسان، فهما ليلة إذا هما برجل متلثم ستر وجهه وسائر بدنه بالحديد، أشرف عليه من أكمة فقال: أفيكم من يفهم ما نسأل عنه؟، فخاف المهلب أن تكون مكيدة، فوتر قوسه وصاح لجماعة من غلمانه وقال: قل، قال: من الذي يقول من شعرائكم: " من الكامل "