إنه دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجالاً من قومك.
قال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك.
فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من الشام، فنزلا سوق بصرى في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان يقال له نسطور، فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه، فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: رجل من قريش من أهل الحرم. قال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، لا تفارقه، قال: هو هو، وهو آخر الأنبياء، فيا ليتني أدركه حين يؤمر بالخروج.
وفي آخر فقال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء.
ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح، فقال الرجل: احلف باللات والعزى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حلفت بهما قط، وإني لأمرؤ أعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا - والله - نبي تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم.
وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة، واشتد الحريرى ملكين يظللان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشمس، فوعي ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له.
وباعوا تجارتهم، وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا فكانوا بمر الظهران قال ميسرة: يا محمد، انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك، فإنها تعرف لك ذلك.
فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في علية لها، فرأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك.