فلما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع لقيه ميسرة بن مسروق فعرفه، فقال: يا رسول الله، ما زلت حريصاً على اتباعك منذ أنخت بنا حتى كان ما كان، ويأبى الله إلا ما ترى من تأخر إسلامي، فأسلم فحسن إسلامه، وقال: الحمد لله الذي ينقذني من النار، وكان له عند أبي بكر الصديق مكان.
قال أبو وجزة: مر أبو بكر بالناس في معسكرهم بالجرف ينسب القبائل حتى مر فزارة، فقام إليه رجل منهم فقال: مرحباً بكم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، نحن أحلاس الخيل وقد قدنا الخيول معنا، فقال: بارك الله فيكم، قالوا: فاجعل اللواء الأكبر معنا، فقال أبو بكر: لا آخذه عن موضعه، هو في بني عبس، فقال الفزاري: أتقدم علي من أنا خير منهم؟ فقال أبو بكر: اسكت يا لكع، هم خير منك، أقدم إسلاماً، ولم يرجع منهم رجل، وقد رجعت وقومك عن الإسلام.
فقال العبسي - وهو ميسرة بن مسروق -: ألا تسمع ما يقول، يا خليفة رسول الله؟ فقال: اسكت، فقد كفيت.
وكان ميسرة بن مسروق وأصحابه أول جيش دخل أرض الروم، دخلها في ستة آلاف فغنم وسبى، وجمعت له الروم فلقيهم فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزمهم الله، وكانت فيهم مقتلة عظيمة.
قال ابن جابر: أدركت عظامهم تلوح في مرج القنابل، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها.