قال: فضحكت، فما أنسى حسن ثغراه وعلو صوتها بالقهقهة، ثم قالت: أي بنت عم، أي شيء أعجبك من حسن صنيع الله لي على العقوق حتى أردت أن تتأسي بي فيه؟ الله، إني فعلت بنساء من أهل بيتك ما فعلت، فأسلمني الله إليك ذليلة جائعة عريانة، فكان هذا مقدار شكرك لله على ما أولاك في، ثم قالت: السلام عليكم وولت.
فصاحت بها الخيزران: ليس هذا لك، علي استأذنت، وإلي قصدت، فما ذنبي؟ فرجعت وقالت: لعمري لقد صدقت يا أخية، وكان مما ردني إليك ما أنا عليه من الضر والجهد.
قالت زينب: فنهضت إليها الخيزران فتعانقها، فقالت: ما في لذلك موضع مع الحال التي أنا عليها، فقالت لها الخيزران: فالحمام إذاً، وأمرت جماعة من جواريها بالدخول معها إلى الحمام وتنظيفها.
فدخلت، فطلبت ماشطة ترمي ما على وجهها من الشعر، فخرجت جارية من جواري الخيزران وهي تضحك، فقالت لها الخيزران: ما يضحكك؟ قالت: من هذه المرأة ومن تحكمها علينا وانتهارها لنا، فإنها تفعل من ذلك فعلاً ما تفعلينه أنت!.
فلم تزل حتى خرجت من الحمام، فوافتها الخلع والطيب، فأخذت من الثياب ما أرادت، وتطيبت، وخرجت، فعانقتها الخيزران، وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه المهدي.
فقالت لها الخيزران: هل لك في الطعام؟ فإنا لم نطعم بعد، فقالت: ما فيكن أحد أحوج إليه مني، فعجلوه.
فأتي بالمائدة فجعلت تأكل غير محتشمة، وتلقمنا، وتضع بين أيدينا، ثم غسلنا أيدينا.
فقالت لها الخيزران: من وراءك ممن تعنين به؟ فقالت: ما خارج هذه الدار أحد من خلق الله بيني وبينه سبب؛ فقالت الخيزران: إن كان هذا هكذا فقومي بنا حتى تختاري لنفسك مقصورة من مقاصرنا، وأحول إليها جميع ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق حتى يفرق بيننا الموت.