فمن شاء رام الصرم أو قال ظالماً ... لصاحبه ذنب وليس له ذنب
فلما سمعتني أتمثل الأبيات قالت: يا فتى، أتعرف قائل هذا الشعر؟ قلت: نعم، ذاك نصيب، قالت: نعم، هو ذاك، فتعرف زينبه؟ قلت: لا. قالت: أنا - والله - زينبه. قلت: فحياك الله. قالت: أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين، خرج إليه عام أول، ووعدني هذا اليوم، ولعلك لا تبرح حتى تراه.
قال: فما برحت، فإذا أنا براكب يزول مع الركب، فقالت: ترى حيث ذلك الراكب؟ إني لأحسبه إياه.
فأقبل الراكب وأناخ، فإذا هو نصيب، فنزل وسلم علي وجلس منها ناحية، وسلم عليها، وساءلها وساءلته، وسألته أن ينشدها ما أحدث من الشعر بهدها، فجعل ينشده، فقلت في نفسي: عاشقان أطالا التنائي، لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة.
فقمت إلى راحلتي، فقال لي: على رسلك، أنا معك، فجلست حتى نهض، ونهضت معه، فتسايرنا ساعة، ثم قال لي: قلت في نفسك: محبان التقيا بعد طول تناء، لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقلت: كان ذلك، قال: فلا ورب هذه البنية ما جلست منها مجلساً قط أقرب من مجلسي الذي رأيت، ولا كان بيننا مكروه قط.
قال رجل من قريش: كنت حاجاً: ومعنا رجل، معه هوادج وأثقال وصبية وعبيد ومتاع، فنزلنا منزلاً فإذا فرش ممهدة، وبسط قد بسطت، فخرج من أعظمها هودجاً امرأة زنجية فجلست على تلك الفرش، ثم جاء زنجي فجلس إلى جنبها على الفرش، فتعجبت، فبينا أنا أنظر إليهما إذ مر بنا مارٌّ يقود إبلاً، فجعل يغني ويقول: