مكرمتك، وأكره أن تفضل عليك أم محجن، فخذي هذا الدينار، فأهدي لها به لئلا ترى بك خصاصة، ولا تذكري الدينار إليها.
ثم أتى صاحباً له يستنصحه، فقال: إني أريد أن أجمع بين زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً، فأتني مسلماً، وإني سأستجلسك الغداء فاسألني عن أحبهما إلي، فإني سآبى أن أخبرك، وأعظم ذلك، فاحلف علي.
فلما اجتمعوا وأتاه فقال: يا أبا محجن، أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك، فقال: سبحان الله! أتسألني عن هذا وهما يسمعان؟ ما سأل عن مثل هذا أحد. " قال ": فإني أقسم عليك أن تخبرني، فوالله، لا أعذرك، قال: أما إذ فعلت فأحبهما إلي صاحبة الدينار، ولا أزيدك على هذا شيئاً.
فأعرضت كل واحدة منهما تضحك، وهي تظن أنه عناها بذلك القول.
قال منحوف بن جبر: مررت بدار الزبير فإذا مولى لهم يكنى أبا ريحانة، وكان يخضب، فسلمت عليه، وجلست غليه، فمرت به جارية على ظهرها قربة، فقام إليها الشيخ، وقال: غنني بأبيات نصيب، فقالت: أما والقربة على ظهري فلا، قال: فأخذ القربة، ووضعها على ظهره، ثم رفعت عقيرتها وهي تقول:" من الطويل "
فؤادي أسير لا يفك ومهجتي ... تقضى وأحزاني عليك تطول
ولي مقلة قرحى لطول اشتياقها ... إليك وأجفاني عليك همول
فديتك أعدائي كثير لشقوتي ... عليك وأشياعي لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول
فطرب الشيخ، فوقع على الأرض، وانشقت القربة، فقالت: يا أبا ريحانة، ما هذا جزائي منك، فقال لها: ما دخل الضرر إلا علي، ودخل السوق فباع قميصه، واشترى لها قربة، ثم ملأها.