ثم جاء أنس بن مالك فقعد بين يديه، وأخذ بيده، وقال: إن ابن أمك زياد أرسلني إليك يقرئك السلام، وقد بلغه الذي نزل بك من قضاء الله، فأحب أن يحدث بك عهداً، ويسلم عليك، ويفارقك عن رضى.
فقال: أمبلغه عني؟ قال: نعم، قال: فإني أحرج عليه أن يدخل لي بيتاً، ويحضر لي جنازة، قال: لم يرحمك الله وقد كان لك معظماً، ولبيتك واصلاً؟ قال في ذلك غضبه عليه، قال: ففي خاصة نفسك ما علمته إلا مجتهداً، قال؛ فأجلسوني، فأجلس، فقال: نشدتك الله لما حدثتني عن أهل النهر، أكانوا مجتهدين؟ قال: نعم قال: فأصابوا أم أخطؤوا؟ قال: هو ذلك. قال: أضجعوني.
فرجع أنس إلى زياد، فأبلغه، فركب مكانه متوجهاً إلى الكوفة، فتوفي وهو بالجلحاء، فقدم بنوه أبا برزة، فصلى عليه، " وقيل: إنه أوصى أن يصلي عليه أبو برزة ".
وعن الحسن قال: لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال: اكتبوا وصيتي: فكتب الكاتب: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأنه يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون لعذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين.