واستخلف هارون يوم مات أخوه موسى، وكان هارون أبيض، طويلاً، مسمناً، جميلاً، قد وخطه الشيب.
ولما بويع الرشيد في سنة سبعين ومئة في اليوم الذي توفي فيه الهادي ولد المأمون في تلك الليلة، فاجتمعت له بشارة الخلافة، وبشارة الولد، وكان يقال: ولد في هذه الليلة خليفة، وولي خليفة، ومات خليفة. وكان ينزل الخلد. وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج حج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاث مئة رجل بالنفقة السابغة. وكان يقتفي أخلاق المنصور، ويعمل بها إلا في العطايا والجوائز، فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداءً وسؤالاً، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاءه، ولا يمنعه عطاء اليوم من عطاء غد. وكان يحب الفقه والفقهاء، ويميل إلى العلماء، ويحب الشعر والشعراء، ويعظم الأدب والأدباء، ويكره المراء في الدين والجدال، ويقول: إنه لخليق ألا ينتج خيراً، ويصغي إلى المديح ويحبه، ويجزل عليه العطاء ولاسيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد.
وكان نقش خاتم هارون بالحميرية، وخاتم الخاصة لا إله إلا الله.
قال أبو معاوية الضرير: حدثت الرشيد هارون بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وددت إني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل. فبكى هارون حتى انتحب وقال له: يا أبا معاوية، ترى لي أن أغزو؟ قلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك أعظم، ولكن ترسل الجيوش.