للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا مسرور، كم في بيت مال السرور؟ قال: ليس فيه شيء، فقال عيسى: هذا بيت الحزن، قال: فاغتنم الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطين الأصمعي سلفاً على بيت مال السرور ألف دينار، فاغتم عيسى وانكسر، فقلت في نفسي: جاء موضع البيتين فأنشدت الرشيد: الطويل

إذا شئت أن تلقى أخاك معبساً ... وجداه في الماضين كعب وحاتم

فكشفه عما في يديه فإنما ... تكشف أخبار الرجال الدراهم

قال: فتجلى عن الرشيد وقال: يا مسرور، أعطه سلفاً على بيت مال السرور ألف دينار، قال: فأخذت بالبيتين ألفي دينار، وما كان البيتان يسويان عندي درهمين.

قال الأصمعي: دخلت على هارون - ومجلسه حافل - فقال يا أصمعي، ما أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا! قلت: يا أمير المؤمنين، ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، فأمرني بالجلوس فجلست، وسكت. فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت، فأقعدني حتى خلا، قال: يا أبا سعيد، ما ألاقتني؟ قلت: أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت:

كفاك كف ما تليق درهما ... جوداً وأخرى تعطي بالسيف الدما

فقال: أحسنت، وهكذا فكن، وقر نا في الملأ، وعلمنا في الخلاء، وأمر لي بخمسة آلاف دينار.

وقيل: إنه قال له: ما لاقتتني بعدك أرض. فلما خرج الناس قال له: ما معنى: ما لا قتتني أرض؟ قال: ما استقرت بي أرض، كما يقال: فلان لا يليق شيئاً أي: لا يستقر معه شيء، وقال له: هذا حسن، ولكن لا ينبغي أن تكلمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلمني، فإنه إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم، وإما أن أجيب بغير صواب، فيعلم الناس أني لم أفهم. قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>