وضربت هامته بالمر ففلقتها، وهو يستغيث، فلم يسمعه أحد، فطرحت عليه من ذلك الهدم، وخرجت من المدينة هارباً لا ألتفت ورائي حذراً من الطلب، وقصدت غير الطريق الذي فيه أصحابي.
فلما أبعدت لحقني رجل من الروم يسير في بعض أمره، فكلمني بلغته فلم أعرفها واستراب بي، وألح في مخاطبتي بما لا أعلمه، وأنا أخاطبه بما لا يعلمه، ثم أومأ بيده إلى سيفه ليسله، فبادرته فغلبته عليه، وصرعته عن بغلة كان عليها وقتلته، وذهبت البغلة، وأخذت حتى وصلت إلى دير فيه جماعة نصارى فدخلته. فلما رأوني سألوني عن حالي فكنيت عنها، وقلت: بم يعرف ديركم؟ قالوا: يعرف بدير العدس، وانطلقوا إلى أسقف لهم فعرفوه خبري، فأتاني. فلما تأملني قال: أرى وجه خائف، قلت: وما ترى من خوفي؟ قال: كن كيف شئت فقد أمن الله خوفك، ولا مكروه عليك إذ وصلت إلينا، وأنزلني في بيته، وأحسن ضيافتي، ثم سألني من أنا؟ وممن أنا؟ فأخبرته، وهو يتأملني، ويعيد مسألتي. فلما أصبحت قال: ما تشاء، المقام أم الرحيل؟ فقلت: الرحيل، فجاءني بحمارة له قمراء ذات لحم وشحم، فأوكفها، وحملها خرجين، فيهما طعام وطرف وتحف، فقال لي: اركبها، وانطلق، فإنك لن تأتي على أحد من النصارى فيراك عليها إلا أحسن ضيافتك، وحفظك وجوزك، ثم أخذ بيدي، فخلا بي من وراء الدير، فقال لي: يا عمر، قد وجب حقي عليك، وأنت رجل من قوم كرام، ولي إليك حاجة، فاقضها، فقلت: اذكرها، وإني لأعجب أن تكون لمثلك إلى مثلي حاجة، وأنا رجل غريب على الحال الذي ترى، فقال: أنا رجل عندي علم من الكتاب، وقد تفرست فيك، ولن تنقضي الأيام حتى يتغير ما عليه الناس، وينتقلون إلى حالة أخرى، وتلي أنت هذه البلاد، وينفذ أمرك، وحكمك فيها وفي أهلها، وأخرج من كمه دواة وصحيفة وقال: حاجتي أن تكتب كتاباً يكون في يدي بإسقاط الجزية عن هذا الدير، ومن يسكنه، فقلت: ما كنت أراك تهزأ بي، فقال: وما كنت أراك تسيء بي الظن، والذي أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم لحق كما قلت لك، فاكتب لي بما سألتك، فكتبت له بما سأل وانطلقت، فما أتيت على قوم من النصارى إلا ضيفوني، وجوزوني، وأرشدوني الطريق، وشيعني بعضهم إلى بعض حين رأوني على حمارة الأسقف، حتى انتهيت إلى تبوك، فإذا أصحابي نزول. فلما رأوني نهضوا إلي، وسروا بورودي، وقالوا: حبستنا