فقال له رجل من أسد الشراة: فمن أين جئت؟ أما والله لئن كفرتهم، لقبلك ما كفرهم أبوك.
قال يزيد بن حاتم: ولاني المنصور المغرب - وهو بدمشق - وخرج معي يشيعني، فتغير لذلك أقوام منهم شبيب بن شيبة، وشبة بن عقال التميميان، ورفعا إلى المنصور كتاباً، لم يألوا فيه الحمل علينا والذكر لمساوئنا، ويخوف المنصور منا، فأقرأني المنصور كتابهما، ثم قال لي: إني لم أدفعه إليك، لتحتج وقد كفيتك الحجاج، إني لما دفعا إلي هذا الكتاب أعلمتهما أنك غائب عن الحجة، وإني أقوم بها عنك، خبرتهما ببدء أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه الناس إلى الله، وإلى دينه، وامتناعهم منه غيرك وغير قومك، فلما قبض الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج الأمر عن أهله بغيرك وغير قومك، فلما أراد الله أن يظهر حقهم أجراه على يديك، وأيدي قومك، وكان لك ولأهل بيتك حظ غبر مجهول، حتى بلغ الله في ذلك ما بلغ، وقلت لهما: أردتما أن تجعلا لأنفسكما في هذا الأمر حظاً كحظ يزيد، وحقاً كحقه، ثم عددت عليهما أمر سلم بن قتيبة، وعامر بن ضبارة، وغيرهما ممن كان يقاتل في طاعة مروان الجعدي، وقلت لهما: لولا أني لم أتقدم إليكما لأحسنت أدبكما، ولئن بلغني أنه جرى لهذا ذكر على ألسنتكما بعد يومي هذا لأوقعكن بكما، ثم دفع إلي الكتاب فشكرته على ذلك ودعوت له.
فلما صرت بإفريقية وجه إلي المنصور شبيب بن شيبة في بعض ما كان يتوجه في مثله الخطباء، فلم أعرفه شيئاً من ذلك، ولم أؤاخذه، وبلغت به بعض ما أمل عندي. فلما أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلا على مودتي أهل بيتي فقلت له: ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين! ودعوت بالكتاب، فأقر، وسأل الإقالة، وحسن الصفح، فقلت له: لولا أنك ذكرت ما ذكرت، ولولا أني كرهت أنك تستغبيني، وتظن أني جاهل بك لم أوقفك على هذا، وسأل دفع الكتاب إليه، فلم آمن أن يرجع به إلى المنصور، فأمرت بتخريقه.