للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعاملهما، والمنفذ لأمرهما، وإن دخلا النار فأسفل منهما. قال: فقال سليمان: ويحك يا فلان! اكتب إلى العامة أن يكفوا عن لعن الحجاج، فلا يذكروه بلعنة، ولا بصلاة. قال: وقد كان كتب إلى العامة ألا يذكروه إلا بلعنة، قال: فكانوا يفعلون. قال: وأذن له بالانصراف إلى أهله، فقدم دمشق، فتهيأ للرواح إلى المسجد، فراح معتماً حتى قام من غرب المسجد، فقام يصلي فيه، فنظر أهل المسجد الذي يلونه بعضهم إلى بعض، فقالوا: هذا ابن أبي مسلم قد صلى، وهو الآن يأتيكم للمجالسة والألفة التي كانت بينكم وبينه فقوموا إليه، فازجروه عنكم قبل أن يأتيكم، فإنكم إن أتاكم فزجرتموه كانت به عليكم شهرة وأحدوثة. قال: فقاموا إليه، فلما رآهم ظن أنهم أتوه ليسلموا عليه، ورحب بهم. فقالوا: يا هذا، إليك عنا، كنت تجالسنا، وقد فعلت بالعراق وفعلت، فلا تجالسنا، ولا تقربنا. قال: فقال بيده يحركها، وقال: فعلت وفعلت، أم والله ما أجدني آسى على شيء إلا على نفوس كثيرة تركتها في سجون العراق ألا أكون أتيت عليها.

دخل يزيد بن أبي مسلم القيسي على سليمان بن عبد الملك بعد وفاة الحجاج، وكان يزيد دميماً قصيراً، فقال له سليمان: ما جاء بك؟ من استكتبك، ومن قلدك؟ قبحك الله! فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين، نظرت إلي وقد أدبر أمري فصغر في عينك ما عظم في عين غيرك.

وهم باستكتابه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحيي ذكر الحجاج باستكتابك كاتبه! قال: يا أبا حفص، إني كشفته فلم أجد عليه خيانة، فقال عمر: أنا أوجدك من هو أعف عن الدينار والدرهم منه، فقال سليمان: ومن هذا؟ قال: إبليس، ما مس ديناراً، ولا درهماً بيده، وقد أهلك هذا الخلق، فتركه سليمان.

ولما وقف سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم للناس على درج دمشق، ونصبه للمظالم أقبل جرير على راحلته، وقال: أفرجوا عني حتى وصل إليه، ثم أنشأ يقول: من البسيط

كم في وعائك من أموال موتمة ... شعث صغار وكم خربت من دار

<<  <  ج: ص:  >  >>