للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى حي في البرية، فإذا بأعرابية وعندها شاة فقلنا لها: بكم هذه الشاة؟ فقالت: بخمسين درهماً. فقلنا لها: أحسني فقالت بخمسة دراهم فقلنا لها: تهزئين؟ فقالت: لا، والله، ولكن سألتموني الإحسان فلو أمكنني لم آخذ شيئاً. فقال أبو عبد الله بن الجلاء: إيش الذي معكم؟ قلنا: ست مئة درهم فقال: أعطوها، واتركوا الشاة عليها فما سافرنا سفرة أطيب منها.

قال أبو عبد الله بن الجلاء: كنت بمكة مجاوراً مع ذي النون فجعنا أياماً كثيرة لم يفتح لنا بشيء. فلما كان ذات يوم قام ذو النون قبل صلاة الظهر ليصعد إلى الجبل ليتوضأ للصلاة وأنا خلفه، فرأيت قشور الموز مطروحاً في الوادي وهو طري، فقلت في نفسي آخذ منه كفاً أو كفين أتركه في كمي ولا يراني الشيخ حتى إذا صرنا في الجبل ومضى الشيخ يتمسح أكلته. قال: فأخذته وتركته في كمي وعيني إلى الشيخ لئلا يراني. فلما صرنا في الجبل، وانقطعنا عن الناس التفت إلي وقال: اطرح ما في كمك يا شره، فطرحته وأنا خجل، وتمسحنا للصلاة، ورجعنا إلى المسجد وصلينا الظهر والعصر والمغرب وعشاء الآخرة. فلما كان بعد ساعة إذا إنسان قد جاء ومعه طعام عليه مكبة، فوقف ينظر إلى ذي النون، فقال له ذو النون: مر فدعه قدام ذاك، وأومأ إلي بيده، فتركه بين يدي، فانتظرت الشيخ ليأكل فلم أره يقوم من مكانه، ثم نظر إلي وقال: كل، فقلت: آكل وحدي، فقال: نعم، أنت طلبت، نحن ما طلبنا شيئاً، يأكل الطعام من طلبه، فأقبلت آكل وأنا خجل مما جرى. أو كما قال.

كان أبو عبد الله بن الجلاء جالساً في المسجد وحوله جماعة، فرأى بعض من حضر على لحيته قشرة تين فنحاها منه فأراها له، فصاح وقال: تأخذ من لحيتي وتطرح في المسجد! ثم أخذها في يده، وقام إلى باب المسجد فرماها وعاد فجلس.

قال ابن الجلاء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك، فيسهل عليك الإعراض عنها.

سئل أبو عبد الله بن الجلاء - وقيل له: هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة يزعمون أنهم متوكلة فيموتون! قال: هذا فعل رجال الحق فإن ماتوا فالدية على القاتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>