فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا