فأتياني به. فطافا ليلتهما حتى انتهيا إلى بعض الأسواق، فإذا هما بشيخ حسن الشيبة، بهي المنظر، عليه ثياب حسنة، متلوث في أثوابه سكران وهو يتغنى: من الطويل
سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنت
فحركاه بأرجلهما وقالا له:
يا شيخ، ما تستحي بهذه الشيبة الحسنة من مثل هذه الحال؟ فقال: ارفقا بي، فإن لي إخواناً أحداث الأسنان شربت عندهم ليلتي هذه، فلما عمل الشراب في أخرجوني، فإن رأيتما أن تعفوا عني فافعلا فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف يا شيخ ولا تعد. فقال: نعم، وأنا تائب، فلما كان في الليلة الثانية وجدا الشيخ على حاله وهو يتغنى: مجزوء الخفيف
إنما هيج البلا ... حين عض السفرجلا
فرماني وقال لي ... كن بعيني مبتلى
ولقد قام لحظه ... لي على القلب بالقلى
فحركاه بأرجلهما وقالا له: يا شيخ، أين التوبة منك؟ فقال: ارفقا بي واعلما أن إخواني الذين ذكرتهم لكما البارحة حلفوا لي في يومهم هذا أنه متى عمل الشراب لا يخرجوني، فعمل فيهم وفي فخرجت وهم لا يعلمون، فإن رأيتما أن تزيدا في العفو فافعلا. فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف. فلما طافا في الليلة الثالثة وجداه على حاله يتغنى: من الخفيف
ارض عني فطالما قد سخطتا ... أنت ما زلت جافياً مذ عرفتا
أنت ما زلت جافياً لا وصولاً ... بل بهذا فدتك نفسي ألفتا
ما كذا يفعل الكرام بنو النا ... س بأحبابهم فلم كنت أنتا
فحركاه بأرجلهما وقالا: هذه الثالثة ولا عفو. قال: أخطأتما، فإني رويت بسندي إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه. فإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله