عليه فإن شربها الثالثة لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الرابعة لم تقبل صلاته أربعين ليلة، ثم تاب لم يتب الله عليه، وكان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار في النار.
قال: فعفو من الثالثة واجب، ومن الرابعة غير واجب. فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف. فلما كان في الليلة الرابعة وجداه على حاله يتغنى: من البسيط
قد كنت أبكي وما حنت لهم لإبل ... فما أقول إذا ما حمل الثقل
كأنني بك نضو لا حراك به ... تدعى وأنت عن الداعين في شغل
فقلبوك بأيديهم هناك وقد ... سارت بأجمالك المهرية الذلل
حتى إذا استيأسوا من أن تجيبهم ... غطوا عليك وقالوا قد قضى الرجل
هذه الرابعة ولا عفو. قال: لست أسألكما عفواً بعدها، فافعلا ما بدا لكما، فحملاه فأوقفاه بحضرة عمر بن عبد العزيز، وقصا عليه قصته من أولها إلى آخرها، فأمر عمر رضي الله عنه باستنكاهه فوجد منه رائحة، فحبسه حتى أفاق، فلما كان في الغد أقام عليه الحد، فجلده ثمانين جلدة. فلما فرغ قال له عمر: أنصف يا شيخ من نفسك ولا تعد. قال: يا أمير المؤمنين، قد ظلمتني لأنني عبد، وحددتني حد الأحرار. فاغتم عمر. فقال: أخطأت علينا وعلى نفسك، أفلا أخبرتنا أنك عبد فنحدك حد العبيد؟ فلما رأى اهتمام عمر به رد عليه وقال: لا يسوءك الله يا أمير المؤمنين، ليكن لي بقية هذا الحد سلفاً عندك، لعلي أرفع إليك مرة أخرى. فضحك عمر حتى استلقى على مسنده، وكان قليل الضحك، وقال لصاحب عسسه وصاحب خبره: إذا رأيتما مثل هذا الشيخ في هيئته وعلمه وفهمه وأدبه فاحملا على أمره الشبهة، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ادرؤوا الحدود بالشبهة.