الرهبان، فوجدته مترقباً لنظري، فغمزني وأومأ إلي، فأنكرت ذلك، ونهضت عجلاً، فأخرج إلي رقعة مختومة، ففضضتها فإذا فيها بأحسن خط وأوضحه: بسم الله الرحمن الرحيم، لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة إلى مولاي بين حزم يحث على الانقباض عنك، وحسن ظن يحض على التجاوز عن نفيس الحظ منك، إلى أن استنزلني الرغبة على حكم الثقة بك من غير خبرة، فرفعت بيني وبينك سجف الحشمة، فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة، وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة، والمستماح منك زورة أرتجع ما اغتصبته الأيام من المسرة، مهنأة بالانفراد إلا من غلامك. من الطويل
وما ذاك عن خلق يضيق بطارق ... ولكن لأخذي باجتناب العوائق
فإن صادف ما خطبته منك تقبلاً فمنه غفل الدهر عنها، وفارق مذهبه بما أهداه إلي منها، وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره من قربك، فذمام المروءة يلزمك رد هذه الرقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها. وتلو هذا الخطاب أبيات: من مجزوء البسيط
هل لك في صاحب تناسى بال ... غربة أخلاقه وبالأدب
أوحشه القرب فاستراح إلى ... قربك مستنصراً على النوب
فإن تقبلت ما حباك به ... لم تشن الظن فيك بالكذب
وإن أبى الدهر دون بغيتنا ... فكن كمن لم نقل ولم تجب
فورد علي ما حيرني، وتحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة، وقلت للراهب: من هذا؟ وكيف السبيل إليه؟ فقال: أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا، وأما السبيل إلى لقائه فسهل إن شئته. قلت: دلني. قال: تتصيد عذراً تفارق أصحابك، وإذا حصلت بظاهر الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه. فرددت الرقعة وقلت: ادفعها إليه ليتأكد أنسه بي وسكونه إلي، وعرفه أن التوفر على التحيل في المصير إليه أولى من التشاغل بإصدار جواب أو قطع وقت بمكاتبة. وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به، فأنكروا ذلك، واعتذرت لهم بشيء عرض لي، واستدعيت ما أركبه، وأمرت