من يخدمني بالتوفر على خدمتهم، وقد كنا على المبيت، فاجتمعوا على تعجل الانصراف، وخرجت من الدير ومعي مملوك كنت آنس به، وتلقاني الراهب فعدل بي إلى طريق وأدخلني الدير من باب غامض، وصار بي إلى قلاية، فقرع بابها بحركات مختلفات كالعلامة، فابتدرنا منه غلام، كأن الشمس تشرق من غرته، والليل في أصداغه وطرته، وبغلالة تتم على ما تستره، فبهر عقلي، واستوقف نظري، ثم أجفل كالظبي المذعور، وتلوته والراهب إلى صحن القلاية، فإذا بيت مفروش مبسوط، فوثب إلينا منه فتى مقتبل الشبيبة، طاهر النبل، حسن الصورة متزي من اللباس بزي غلامه، فلقيني حافياً يعثر في سراويله، واعتنقني وقال: إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك لأجعل ما لعلك استحسنته من وجهه قبالة ما ترد عليه من قبح وجهي؛ فاستظرفت اختصاره الطريق إلى بسطي، وارتجاله النادرة على نفسه حرصاً في تأنيسي، وأفاض في شكري على المسارعة إليه، وأنا أواصله بالتعبد له، والاعتداد بتفضله. وقال: أنت مكدود بمن كان معك والتمتع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك. فاستلقيت يسيراً، ثم نهضت، فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفتها في دور أكابر الملوك. وأحضرنا خادم له طبقاً يضم ما يتخذ للعشاء. فقال لي: الأكل مني يا سيدي للجوع، ومنك للممالحة والمساعدة. فنلنا شيئاً، وأقبل الليل، وجاءنا الراهب من الأشربة بما أخبرناه. ولم يزل يناهبني نوادر الأخبار، وملح الأشعار، ويخلط ذلك من المزاح بأطرفه، ومن التودد بألطفه إلى أن توسطنا الشرب، فالتفت إلى غلامه فقال: ما مترف، إن مولاك ما ادخر عنا السرور بحضوره، وما يجب أن ندخر ممكناً في مسرته. فامتقع وجه الغلام حياء وخفراً، فأقسم عليه بحياته وأنا لا أعلم ما يريد، فمضى وجاء بطنبور، وجلس وغنى: من المجتث
يا مالكي وهو ملكي ... وسالبي ثوب نسكي
نزه يقين الهوى في ... ك عن تعرض شك
لولاك ما زلت أبكي ... إلى الصباح وأبكي
فنظر إلى الغلام وتبسم، فعلمت أن الشعر له، وكدت أطير طرباً، فاستدعيت