كيزاً، فأحضرنا الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد الحكم، فشربت وشرب، ثم قال: أنا أحب ترفيهك، ولا أقطعك عما أنت متوفر عليه، فقد عرفت الاسم والنسب والصناعة، وقد كنت أوثر أن نسم ليلتنا بشيء يكون لذكرها معلماً. فكتبت ارتجالاً: من المجتث
وليلة أوسعتني ... حسناً ولهواً وأنسا
ما زلت ألثم بدراً ... بها وأشرب شمسا
إذ أطلع الدير سعداً ... لم يبق مذ لاح نحسا
فصار للروح روحاً ... مني وللنفس نفسا
فطرب على قولي: ألثم بدراً وأشرب شمساً، وعلى قولي: للروح روحاً، وللنفس نفساُ. وجذب غلامه فقبله، وقال: ما جهلت ما يجب لسيدي من التوقير، وإنما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته، فبحياتي إلا فعلت ذلك بغلامك، فاتبعت إيثاره خوفاً من احتشامه، وأخذ الأبيات، وجعل يرددها، وكتب إجازة لها: من المجتث
ولم أكن لغريمي ... والله أبذل فلسا
لو ارتضى لي خصمي ... بدير مران حبسا
فقلت: إذا ما كان أحد يؤدي حقاً ولا باطلاً. وعرفت أنه مستتر من دين. وقال لي: قد خرج لك أكثر الحديث، فإن عذرت وإلا ذكرت الحال لتعرفها على صورتها، فتبينت ما يؤثره من كتمان نفسه، فقلت له: يا سيدي كل ما لا يتعرف بك نكرة، وقد أغنت المشاهدة من الاعتذار. وجعل يشرب وينخب علي من غير إكراه ولا حث إلى أن رأيت الشراب قد أخذ منه. وأكب على مجاذبة غلامه، فأظهرت النوم، ففرش لي إلى جانب فراشه، وقام يتفقد أمري بنفسه، فقلت: إن لي مذهباً في تقريب غلامي مني، واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من غلامه، فتبسم، وقال لي بسكره: جمع الله لك المسرة كما جمعها لي بك. وأظهرت النوم، وعاد يجاوب غلامه بأعذب الألفاظ، وأحلى معاتبة، ويخلط ذلك بمواعيد تدل على سعة حال وانبساط يد، وغلامه يقبل يده ورجله وفمه، وغلب علي النوم إلى أن أيقظني هواء السحر، فانتبهت وهما متعانقان، فأردت توديعه، وحاذرت إزعاجه، فخرجت ولقيني الخادم يريد إنباهه، فأقسمت عليه ألا يفعل، وركبت منصرفاً، ومحدثاً نفسي بالعودة إليه، ومتوهماً أن ما كنت فيه مناماً لطيبه، واعترضتني