فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري.
قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض