قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!.
فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب.
فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام.
قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان رجلاً فاضلاً.