قال ابن هرمة: فأتيت المدينة، فأتاني رجل من الطّالبيّين، فسلّم عليّ، فقلت: تنحّ عنّي، لا تشيط بدمي.
وزاد في رواية؛ بعد بيتي المدح: فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك شيئاً، قال: سل؛ قال: إنّ عمّال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي ممّا يحدّونني على السّكر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتاباً، إن وجدت سكراناً فلا أحد، فليفعل؛ فقال له المنصور: ما كنت لأرفع حداً من حدود الله بحبّ، ولكن أكتب لك كتاباً: من جاء بك سكران جلد مئة، وجلدت أنت ثمانين؛ قال: قدر ضيت.
قال: فكتب له بذلك، قال: فكان إبراهيم بن هرمة يسكر، ويطرح نفسه في الشّوارع، ويقول: من يشتري ثمانين بمئة؟ فليتقدم.
قال سعيد بن سلم: لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة، فلّما صاروا ببابه، واستأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: اصلح الله الأمير، بالباب وفد من أهل العراق؛ قال: من أي أهل العراق؟ قال: من الكوفة؛ قال: إيذن لهم؛ فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن في هيئة زريّة، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول: من الطويل
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدّهر بالنّاس قلّب
فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأفره مهريك الذي هو راكب
وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زواك اقتدار أو غنىً عنك يذهب
قال: فوثب إليه رجل من القوم، فقال: أصلح الله الأمير، ألا أنشدك أحسن من