قال: فازداد الرّشيد في البكاء، وقال: قد وحقّه الواجب عليّ أمرني بقضاء دينك، والتّوسعة في الرّزق عليك، وتوليتك جند دمشق.
ثم دعا بمسرور، وقال: احمل معك قناةً ولواءً إلى ميدان الخيل، حتى أعقد لبقّية أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل.
فصّلى وركب وركبت معه، فلّما رجعت الخيل عقد لي على دمشق، وأمر لي بأربعين ألف دينار، فقضيت بها ديني، وأجرى عليّ في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار عمالةً، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدّين مئة ألف دينار.
وحدّث إبراهيم، أنه ما علم أحداً ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره، فسئل عن السبب في ذلك، فأعلم أنه فحص عنه عقد الرّشيد له على جند دمشق، فاخبر أن كلّ ملقّب ممّن ولي إمرته لم يكن إلاّ مّمن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة؛ فكان إن مال إلى المضريّة لقّبته اليمانيّة، وإن مال إلى اليمانيّة لقّبته المضريّة.
وانه لمّا ولي وافى حمص، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعدّ للأمراء في العيدين، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر صاحبه بإحضار وجوه الحيّين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلّما أتاه به، أمر بتصيير النّاس من الجانب الأيمن مضريّاً، وعن شماله يمنيّاً، ومن دون اليمانيّ مضريّ، ومن دون المضريّ يمانيّ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ، ولا يمانيّ بيمانيّ، ثم قدّم الطّعام، فلم يطعم شيئاً حتى حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل قريشاً موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة، فليس يتعصّب قرشيّ إلاّ للجهل بالمفترض عليه؛ ثم قال: يا معشر مضر، كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قالت: وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانّي مضريّاً، وبجنب المضريّ يمانيّاً، فقلتم با معشر مضر؛ إنّ الجانب الأيمن أعلى