أصبت، بكم تساوي عندك الآن، فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها، أن قلت: تساوي مئة ألف درهمّ فقال: وما تساوي على هذا الإحسان والتفّفضيل إلاّ مئة ألف درهم؟ قبّح الله رأيك، والله ما أجد شيئاً أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموماً مدحوراً، فقلت: ما لقولك: اخرج عن منزلي، جواب؛ وقمت أنصرف وقد أحفظني فعله وكلامه وأرمضني، فلّما خطوت خطوات التفتّ إليه، فقلت: يا إبراهيم، تطردني من منزلكّ فوالله ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئاً.
وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم وهو بالوزيريّة في قصر اللّيل، فدخلت ومخارق وعلّوية، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات؛ جام فضّة مملوء ودنانير جدداً، وجام ذهب مملوءة دراهم، وجام قوارير مملوءة عنبراً، فظننّا أنها لنا، بل لم نشك في ذلك، فغنّينا وأجهدنا أنفسنا، فلم يطرب، ولم يتحرّك لشيء من غنائنا، ودخل الحاجب فقال: إبراهيم بن المهديّ، فأذن له، فدخل، فلّما أخذ مجلسه غنّاه أصواتاً أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته بشعره، فقال: من البسيط
ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يا صاحبيّ لعلّ السّاعة اقتربت
أشكو إليك أبا الخطّاب جاريةً ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لعبت
فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت والله يا عمّ، فقال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيها شئت، فأخذ التي فيها الدّنانير؛ ونظر بعضنا إلى بعض ساعةً لأنّا رجونا أن نأخذهنّ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة: من المتقارب
فما قهوة مزة قرقف ... شمول تروق براووقها
بكفّ أإنخصيب البنا ... ن يخطر بين أباريقها
بأطيب من فمها نكهة ... إذا امتصت الشّهد من ريقها
فقال المعتصم: أحسنت والله يا عمّ وسررت؛ قال: يا أمير المؤمنين، فإن كنت أحسنت فهب لي جاماً أخرى، فقال: خذ أيّهما شئت، فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم؛ فأيسنا نحن، وغنّى بعد ساعة: من الطويل