يفقهون " ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جد في سفره، وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى وأحسنوا، وأنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك نفقة عظيمة، لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مئتي بعير.
ومما جمع من أحاديث تبوك قالوا:
كانت الضافطة وهم الأنباط يقدمون المدينة بالدرمك والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإسلام، فإنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط. فقدمت منهم قادمة، وذكروا أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجليت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، وإنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه، ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم، إذ كانوا يقدمون عليهم تجاراً، من العدد والعدة والكراع، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا: حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، واستقبل غزواً وعدداً كبيراً، فجلا للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة عدوهم وأخبرهم بالوجه الذي يريد. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم فبعث إلى أسلم بريدة بن الحصيب، وأمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاري إلى قومه أن يطلبهم ببلادهم. وخرج أبو واقد الليثي في قومه، وخرج أبو جعد الضمري في قومه بالساحل، وبعث رافع بن مكيث وجندب بن مكيث في جهينة، وبعث نعيم بن مسعود في أشجع، وبعث في بني كعب بن عمرو عدة: بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان، وبعث في سليم عدة منهم العباس بن مرداس.
وحض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين على الجهاد، ورغبهم فيه، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كبيرة، فكان أول من حمل أبو بكر الصديق جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال له