رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر العب؟! ونافق ممن هو معه على مثل رأيه ثم قال ابن أبي: والله لكأني أنظر إلى أصحابه غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
فلما رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ثنية الوداع إلى تبوك وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال إلى الحباب بن المنذر بن الجموح. قال: ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة، وكان دليله إلى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الدومة، فراح منها ممسياً حيث أبرد، وكان في حر شديد.
قالوا: وكان الناس مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثين ألفاً. ومن الخيل عشرة آلاف فرس، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل بطن من الأنصار أن يتخذوا لواء أو راية. والقبائل من العرب فيها الرايات والألوية، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دفع راية بني مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم. فأدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت فأعطاه الراية. قال عمارة: يا رسول الله، لعلك وجدت علي، قال: لا والله، ولكن قدموا القرآن. وكان زيد أكثر أخذاً للقرآن منك. والقرآن مقدم، وإن كان عبداً أسود مجدعاً، وأمر في الأوس والخزرج أن يحمل راياتهم أكثرهم أخذاً للقرآن. وكان أبو زيد يحمل راية بني عمرو بن عوف، وكان معاذ بن جبل يحمل راية بني سلمة.
قال: وكان هرقل قد بعث رجلاً من غسان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه وإلى خاتم النبوة بين كتفيه. وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم انصرف إلى هرقل يذكر ذلك له، فدعا قومه إلى التصديق به فأبوا حتى خافهم على ملكه وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف.