بغير رضى منا ونحن جماعة ... شهوداً كأنا غائبين عن الأمر
فتلك إذا كانت من الله زلفة ... ومن غيره إحدى القواصم للظهر
فأجابه زياد بن لبيد: من الطويل
سيعلم أقوام أطاعوا نبيهم ... بأن عدي القوم ليس بذي قدر
أذاعت عن القوم الأصاغر لعنةٌ ... قلوب رجال في الحلوق من الصدر
ودنوا لعقباه إذا هي صرمت ... هواديه الأولى على حين لا عذر
فإن عصا الإسلام قد رضيت به ... جماعته الأولى برأي أبي بكر
فإن كنتم منهم فطوعاً لأمره ... وإلا فأنتم من مخافته صعر
فنحن لكم حتى نقيم صعوركم ... بأسيافنا الأولى وبالذيل السمر
رويدكم إن السيوف التي بها ... ضربناكم بدءاً بأيماننا تبري
أبعد التي بالأمس كنتم غويتم ... لها يبغون الغي من فرط الصغر
وكان لهم في غير أسود عبرة ... وناهية عن مثلها آخر الدهر
تلعب فيكم بالنساء ابن عبه ... وبالقوم حتى نالهن بلا مهر
فإن تسلموا فالسلم خير بقية ... وإن تكفروا تستوبلوا غبة الكفر
فتفرقت الناس عند ذلك طائفتين، فصارت طائفة مع حارثة بن سراقة قد ارتدوا عن الإسلام، وطائفة مع زياد بن لبيد؛ فلما رأى ذلك زياد قال لهم: نقضتم العهد وكفرتم، فأحللتم بأنفسكم واغتنمتم أولاها بعد عقباها؟ فقال حارثة: أما عهد بيننا وبين صاحبك هذا الأحدث فقد نقضناها، وإن أبيت إلا الأخرى أصبتنا على رجل، فاقض ما أنت قاض.
فتنحى زياد فيمن اتبعه من كندة وغيرهم قريباً، وكتب إلى المهاجر أن يمده، وأخبره خبر القوم؛ فخرج المهاجر إليه، وسمع الأشعث بن قيس صارخاً من أعلى حصنهم في شطر من الليل: من الرجز
عشيرة تملك بالعشيرة ... في حائط يجمعها كالصيرة
والمسلمون كالليوث الزيرة ... فيها أمير من بني المغيرة