فلما سمع الأشعث الصارخ إلى ما قد رأى من اختلاف أصحابه بادرهم فخرج من تحت ليل حتى أتى المهاجر وزياداً فسألهما أن يؤمناه على دمه وماله حتى يبلغاه أبا بكر فيرى فيه رأيه، ويفتح لهم باب الحصن، ففعلا، ويفتح لهم باب الحصن فيدخل المسلمون على أهل الحصن فاستنزلوهم فضربوا أعناقهم، واستاقوا أموالهم، واستبوا نساءهم، وكتبوا إلى أبي بكر بذلك، واستوثقوا من الأشعث حتى بعثوا به إلى أبي بكر في الحديد موثقاً، فقال له أبو بكر: كيف ترى صنيع الله بمن نقض عهده؟ فقال الأشعث: أرى أنه قد أخطأ حظه ونفس جده؛ فقال له أبو بكر: فما تأمرني فيك؟ قال: آمرك أن تمن علي فتفكني من الحديد، وتزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة؛ ففعل أبو بكر.
فقال الأشعث حين زوجه أبو بكر: من الطويل
لعمري وما عمري علي بهينٍ ... لقد كنت بالإخوان جد ضنين
أحاذر أن تضرب هناك رؤوسهم ... وما الدهر عندي بعدها بأمين
فليت جنون الناس تحت جنونهم ... ولم ترم أنثى بعدهم بجنين
وكنت كذاب البو أنحت وأقبلت ... عليه بقلب والهٍ وحنين
فأجابه مسلم بن صبيح السكوني: من الطويل
جزى الأشعث الكندي بالغدر ربه ... جزاء مليم في الأمور ظنين
أخا فجرة لا تستقال وغدرة ... لها أخوات مثلها ستكون
فلا تأمنوه بعد غدرته بكم ... على مثلها فالمرء غير أمين
وليس امرؤ باع الحياة بقومه ... أخا ثقةٍ أن يرتجى ويكون
هدمت الذي قد كان قيس يشيده ... ويرضى من الأفعال ما هو دون
وألبستنا ثوب المسبة بعدها ... فلا زلت محبوساً بمنزل هون
أرى الأشعث الكندي أصبح بعدها ... هجيناً بها من دون كل هجين
سيهلك مذموماً ويورث سبةً ... يبيت بها في الناس ذات قرون