ضيعته، وأرضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فاجعله لما تعطيه من الشاكرين، ثم قال: لا أراك فيما بعد اليوم فإني كثير الهم شديد الغم مادمت مع هؤلاء الناس حياً وأكره الشهرة، والوحدة أحب إلي فلا تطلبني خذ هكذا.
قال: فجهدت أن أمشي معه ساعة فأبى علي، فدخل في بعض أزقة الكوفة، قال: فجعلت التفت إليه وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني، فسألت عنه وطلبته فلم أجد أحداً يخبر عنه بشيء، قال: فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين.
أو كما قال.
وفي وراية حديث آخر بمعناه، في آخره قال: فغزا غزوة أذربيجان فمات، قال: فتنافس أصحابه في حفر قبره، قال: فحفروا فإذا بصخرة محفورة ملحودة.
قال: وتنافسوا في كفنه قال: فنظروا فإذا في عيبته ثياب ليس مما ينسج بنو آدم، قال: فكفنوه في تلك الثياب ودفنوه في ذلك القبر.
قال علقمة بن مرثد الحضرمي: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين: عامر بن عبد الله، وأويس القرني، وهرم بن حيان العبدي والربيع بن خثيم القوري، وأبي مسلم الخولاني، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، والحسن بن أبي الحسن البصري.
فأما أويس القرني فإن أهله ظنوا أنه مجنون، فبنوا له بيتاً على باب دارهم فكان يأتي عليه السنة والسنتان لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلقط من النوى، فإذا أمسى باعه لإفطاره، وإن أصاب حشفة خبأها لإفطاره.
وعن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين، قال: أفي قرن من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال، لا يتألف ولا يؤلف، فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي، وقولوا له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليه سلامه، قال: فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه