للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء النبلاء الألباء العالمون بالله وبآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاماً لله عز وجل وإعزازاً وإجلالاً، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية، يعدون أنفسهم من الظالمين الخاطئين، وإنهم لأنزاه برآء، ومع المقصرين والمفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء، ولكنهم لا يرضون منه بالقليل ولا يستكثرون له الكثير ولا يدلون عليه بالأعمال، متى ما لقيتهم فهم مهتمون محزونون مروعون خائفون مشفقون وجلون فأين أنتم منهم؟ يا معشر المبتدعين اعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.

قال وهب: ثم انصرف عنهم وتركهم، فبلغ ابن عباس أنهم قد تفرقوا عن مجلسهم ذلك، ثم لم يعودوا إليه حتى هلك ابن عباس.

وفي حديث آخر عن وهب قال:

بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش فيختصمون فترتفع أصواتهم، فقال لي ابن عباس: انطلق بنا إليهم، فانطلقنا حتى وقفنا عليهم، قال ابن عباس: أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب وهو في حاله، قال وهب: فقلت: قال الفتى: يا أيوب أما كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك؟ يا أيوب أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عيٍّ ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقاً من الله وهيبة له، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية لا يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل، يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين، وإنهم لأنزاه أبرار أخيار، ومع المضيعين المفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون، يراهم الجاهل فيقول مرضى، وليسوا مرضى وقد خولطوا وقد خالط القوم أمرٌ عظيم.

قال مجاهد: يؤتى بثلاثة يوم القيامة: بالغني والمريض والعبد المملوك فيقال للغني: " ما منعك من عبادتي؟ " فيقول: يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان في ملكه فيقول: " أنت كنت أشد شغلاً من هذا؟ " قال: يقول: لا بل هذا، قال: " فإن هذا لم يمنعه ذلك أن

<<  <  ج: ص:  >  >>