حدث مجاهد قال: كان من قصة بخت نصر أنه كان يتيماً بأرض لا يؤبه له، وكان فيما ذكروا من جيش نمرود صاحب إبراهيم، وكان لزنية، بغت أمه فكان من شأنه أن دانيال الأكبر وكان قد قرأ التوراة ذات يوم فأتى على هذه الآية " فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً " قال: فطوى التوراة فقال: يا رب من هذا المكان الذي يكون خراب بيت المقدس على يديه وهلاك بني إسرائيل؟ قال: فأري في المنام أن يتيماً بأرض بابل يقال له بخت نصر عليلاً فقيراً فقضيت ذلك على يديه فلما أصبح تجهز بمال عظيم، ثم خرج نحو أرض بابل حتى وردها، وملكها يومئذ سنحاريب.
فدخل عليه، فقال: من أنت ومن أين أقبلت؟ قال: أقبلت من أرض بني إسرائيل وحملت معي أموالاً أقسمها في فقراء أهل أرضك ويتاماهم.
قال: فأنزله وأكرمه، وأجعل يلطف اليتامى والفقراء فيعطيهم ويسأل عن أسمائهم حتى قسم مالاً كثيراً فكان لا يظفر ببخت نصر حتى أعياه ذلك فبعث من يطلبه في قرى بابل ومدائنها فلا يظفر به حتى أيس منه فأقام ببابل رجاء أن يظفر به.
قال: فخرج غلامه ذات يوم إلى بعض قرى بابل للميرة، قال: فمر بغلام مريض على طريق الناس قد اتخذ له عريش، وقد فرش له الرماد، به الذرب يسيل الماء الأصفر منه، فلما نظر إليه غلام دانيال رأى منظراً فظيعاً فقال له: ما حالك يا غلام؟ قال: أنا غلام يتيم قد كنت أكد على أم لي عجوز حتى أصابني ما ترى فعجزت عني فوضعتني هاهنا يعطف الناس علي والمارة فأصيب الشيء والكسرة.
فقال له: وما اسمك؟ قال: ما تسأل عن اسمي؟ قال: إن مولاي قسم مالاً كثيراً في اليتامى والمساكين فكيف غبت عنه؟ قال بخت نصر: هي أرزاق، قال: فأخبرني عن اسمك حتى أخبره بحالك فيعطيك كما يعطي غيرك، قال: اسمي بخت نصر.
قال: فلما انصرف الغلام إلى سيده فأخبره بما رأى.
قال دانيال: هذا بغيتي وأسر في نفسي، وانطلق معه غلامه إليه.
فقال: ما اسمك؟ قال: اسمي بخت نصر، وأنا غلام يتيم من أهل بيت شرف، ولكن انقلب علينا الزمان وأصابتنا الشدة فعجزت أمي عني فألقتني هذا الموضع.