قال: فأمر غلامه فغسله وطيبه وكساه، ثم حمله حتى جاء به إلى أمه، وأجرى عليها حتى برأ وصح، وكان قبل أن ينزل به المرض يخرج مع أتراب له إلى البراري فيحتطب فكانوا يؤمرونه على أنفسهم فيحتطبون له ويحملونه فيما بينهم حتى ينتهوا إلى القرية فيحتزمون له حزمة فكان يدخلها السوق فيبيعها، فكان منها معيشته ومعيشة أمه، فلما صح قال له دانيال: يا بخت نصر هل تعلم أني قد أحسنت إليك؟ قال: نعم.
قال: فما رأيك إن وصلت إلي مكافأتي هل أنت مكافيّ؟ قال: يا سيدي هل صنع أحد بأحد إلا دون ما صنعت بي، ومن أين أقدر على مكافأتك! قال: أخبرني إن ملكت يوماً من الدهر بابل وغزوت بلاد بني إسرائيل فلي الأمان منك ولأهل بيتي؟ قال: نعم.
غير أني أظن أن هذا منك استهزاء! قال دانيال: لا بل هو الجد مني.
قالت أمه: يا سيدي، إن كان الذي تقول حقاً فأنت الملك وهو تبع لك، فقال دانيال: أتكتب لي أماناً ولأهل بيتي يكون كتابك علامة بيني وبينك وبين أهل بيتي وأعطيك عشرين ألف درهم؟ قال: نعم.
قال: فكتب له بخت نصر كتاباً أماناً بخط يده ولأهل بيته، وجهز بالذهب، وأعطاه دانيال عشرين ألف درهم، ثم ودع الملك ولحق ببلاده، فعمد بخت نصر ففرق تلك الدراهم في الغلمة الذين كان يترأس عليهم، فكساهم واشترى لهم الدواب، وكان ظريفاً كاتباً أديباً، فانطلق إلى سنحاريب الملك، فانتسب له ولزم بابه في أصحابه، فكان يوجهه في أموره وكان مظفراً حتى بدا لسنحاريب أن يغزو بيت المقدس، فبعث جواسيسه يأتونه بخبر الأرض، فانطلق بخت نصر فركب حماراً ثم جاء حتى دخل على الملك، فقال: أيها الملك إنك تبعث عيوناً إلى أرض بني إسرائيل فأحب أن أنطلق أنا بنفسي، فإني أنا أعلم منهم بالأمر الذي تدرك به حاجتك.
قال له الملك: ألا أعلمتني فكنت أستعملك عليهم، ولكن امضه.
فمضى حتى وردها، فكان أصحابه يسألون عن الحصون وعن العدة والرجال والمدخل والمخرج وكان بخت نصر يسأل بقوله: هل فيكم اليوم أنبياء وكتب تقرؤونها؟ قالوا: نعم.
قال: أفتطيعون أنبياءكم؟ قالوا: لا.
قال: أفتقيمون كتبكم؟ قالوا: لا.
قال: فانصرف، وانصرف أصحابه، فأعلموا الملك ما عاينوا.
وقال بخت نصر: أيها الملك إن فيهم أنبياء لا يطيعونهم وكتباً لا يقيمونها فإن نصرت فبهذا.
قال سنحاريب: إنه ليس للقوم بنا يدان، وسأغزوهم بجنود لا قبل لهم بها، وكان من قصته ما كان.
يروى أن بخت نصر دخل الشام ومصر في ست مائة ألف راكب وهو راكب على أسد أحمر