بنصر الله، وأن الله لم يخذلهم، وأردت أن يرى قومك عزة الله وسلطانه وكيف يعز أولياءه، فأمر بهم فأخرجوا من النار.
قال وهب: لما وقفوا بين يدي بخت نصر قال: كيف بتم البارحة؟ قالوا: بأفضل ليلة مرت علينا منذ خلقنا، قال بخت نصر: وهي أفضل من لياليكم في بلادكم؟ قالوا له: سبحان الله ومتى كنا نطمع في بلادنا ملائكة الرحمن أن يلحفونا بالريش، ويردون عنا أذى البرد، ويستغفرون لنا، ويصافحونا! فأمرهم أن يلحقوا بدانيال فأكرمهم، فلم يزالوا حتى على ذلك ثلاث سنين، ثم إن بخت نصر رأى رؤيا أهول وأعظم مما كان رأى، فأرسل إلى عظماء قومه، فقال لهم: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا فيما يخيل إلي أشد من الأولى، وخشيت أن يكون فيها هلاكي وهلاككم، وذهاب ملككم وقد نسيتها فما ترون؟ فجعلوا علة عجزهم دانيال فقالوا: إنك عمدت إلى أسحر العالمين فوضعته عند رأسك، فهو يفزعك بسحره، ويريك الأحلام لينال منك المنزلة والكرامة، فشأنك وشأنه، وقد عمرت قبله زماناً لا ترى شيئاً تكرهه.
وأنت مستغنٍ برأيك، فأدخلت على نفسك هذا البلاء، فقال لهم بخت نصر: أما عندكم غير هذا؟ قالوا: لا.
قال: اخرجوا عني، ثم دعا دانيال، فقال: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا قد نسيتها هي عندي أعظم من الأولى فهل عندك علمها؟ قال: نعم.
قال: إذاً فاقصصها علي، قال دانيال: رأيت شجرة عظيمة أصلها ثابت وفرعها ذاهب في السماء، في فرعها طير السماء كله، وفي ظلها وحوش الأرض وسباعها كلها، فبينا أنت تنظر إليها، وقد أعجبك حسنها وعظمها وخضرتها، والذي جمع الله في فرعها من الطير، وفي ظلها من الوحوش؛ إذ أقبل ملك يحمل حديداً كأنه الفأس على عاتقه، وهو يؤم الشجرة؛ إذ ناداه ملك من فوقه من باب من أبواب السماء فقال له: ما أمرك ربك في هذه الشجرة؟ قال: أمرني أن لا أدع منها شيئاً، فناداه الملك من فوقه: إن الله يأمرك أن لا تستأصلها من أصلها خذ بعضها وأبق بعضها، فنظرت إلى الملك قد ضرب رأسها بالفأس فانقطع منها بعض أغصانها، وتفرق ما كان فيها من الطير، وما كان في ظلها من السباع، وبقي الجذع متغيراً قد تغير حسنه وخضرته لا هيئة له.
قال بخت نصر: هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال دانيال: أنت الشجرة، وما رأيت فوقها من الطير فولدك وأهلك وحشمك، وما رأيت في ظلها من السباع والوحوش فخولك وعبيدك ورعيتك،