ملك حمير، وكان صاحب عنفصير، وهو الذي قتل الناس وأحرقهم بالنار ليدعوا إلى الإسلام، وكان الأخدود الأخرى بابل اتخذها بخت نصر، فلما اجتمع الناس يوم عيدهم، أمروهم بالسجود لذلك الصنم فسجدوا، فمن أبى حرقوه في تلك الأخدود، وكان بخت نصر سبى من إيلياء سبعين ألف غلام، فقسمهم في ملوك بابل، ماخلا دانيال وميشائيل وعيصو ومرسوس فأقاموا بذلك زماناً يستخدمونهم حتى أدرك الوصفاء، فأنكر أهل بابل شأنهم، فقالوا لبخت نصر: إنا أنكرنا شأننا منذ أدرك عبيدنا، فإنا نحب أن تنفيهم منا فتخرجهم عنا، أو تأذن لنا فنقتلهم.
فقال لهم: أنتم وذاك. قال: فقتلوهم جميعاً، وبقي هؤلاء العدة في يدي الملك، فكانوا يدعون الله ويقولون: يا رب قد عذبت آباءنا بذنوبهم فما بالنا؟! فأوحى الله إلى دانيال:" إني مخلصهم "، فعطف عليهم بخت نصر فلم يقتلهم، فلما أخرجوا صنمهم ليوم عيدهم، دعوا هؤلاء العدة من بني إسرائيل، فقالوا لهم: اسجدوا لآلهتنا، فقالوا: إن هذا ليس بإله نسجد له، إنما هو خشب عملته الرجال، فإن شئتم سجدنا للذي خلقه فاغتنموا خلافهم ليحرقوهم وليغيظوا بهم دانيال، فكتفوهم ثم رموا بهم في تلك النار فباتوا فيها حتى أصبحوا، فاطلع بخت نصر عليهم من قصره، فرأى فيها خمسة نفر في النار، ورأى خامسهم خلقاً عظيماً له ريش، فرأى النار قد عادت جليداً، وإذا صاحب الريش يكنفهم ويلحفهم بريشه من برد الجليد، فلما نظر بخت نصر إلى ذلك امتلأ رعباً، فدعا قومه فقال: كم كنتم ألقيتم في النار؟ قالوا: أربعة.
قال: فإن معهم خامساً له ريش وهيبة وجسم لا يقدر قدرها.
قالوا: ليس لنا به علم، فدعا دانيال، فسأله.
فقال: هؤلاء الأربعة أعرفهم فمن الخامس صاحب الريش؟ قال: دانيال: الخامس الذي وكله الله بالظل والبرد والثلج والجليد، وهذه خزائن بيده، فأرسله إلى هؤلاء الفتية حتى صير النار جليداً حتى لا يضرهم برد الجليد.
وقيل: إن دانيال قال لبخت نصر لما سأله عن الخامس، قال: ذاك جبريل بعثه الله يروح عنهم ويؤنسهم، وقيل: إن بخت نصر قال لدانيال: ألا أعلمتني حين عرض لهم فأحول بينهم وبين ما صنعوا بهم! قال دانيال: حملني على ذلك الرفق بك لما أدخل عليك أهل مملكتك ووثقت لهم