أجلاً أجله الله حتى يبلغ الكتاب أجله، وينقضي هذا البلاء الذي كتبه الله على إيلياء وأهلها، وأما قولك: إنك تكتب لي أماناً آمن به حيث ما توجهت؛ فإنه لا ينبغي أن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق، وأما ما ذكرت من مواساتك؛ فإن ذلك أوفق لي يومي هذا حتى الله فينا قضاءه، فجمع بخت نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي، فقال لهم: هذا رجل حكيم قد فرج الله عني الكرب الذي عجزت عنه به، وإني قد رأيت أن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته، وأعظموا حقه، فإن جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال، فآثروا حاجته على حاجتي، ونزل منه دانيال بأفضل المنازل، وجعل تدبير ملكه إليه، فلما رأى ذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال، واجتمعوا إلى بخت نصر، فقالوا له: لم يكن على الأرض ملك أعز من ملكنا ولا أعظم، ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرض، واعترفت لنا الأمم، فليس يطمع فينا أحد، وإنا نخبرك أن الأمم قد طمعوا فينا منذ قلدت أمر ملكك هذا العبد الإسرائيلي، وإنك لم تفعل هذا حتى أنكرت عقلك ورأيك، وعجزت عن السياسية، وقد نصحناك، فقال لهم بخت نصر: ما أنكرت عقلي ولا رأيي، ولا تزيدني الأيام إلا تجربة وعلماً، ولكنه كان نزل بي ما رأيتم، فعجز عنه رأيي، وعجزتم أنتم، ففرج عني، فماذا تنقمون أن عمدت إلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به مع رأيي، وكل ذلك أريد به صلاح أمركم وقوام ملككم؟ قالوا: فإن كان كما تقول، أفليس يخبرك أن له رباً عظيماً هو الذي يدبر له أمره ويطلعه على الغيب؟ قال بخت نصر: بلى، يزعم أن له رباً لولاه لم يك شيئاً، ولا يعلم شيئاً.
قالوا له: هذا العبد الضعيف قدر على أن يتخذ إلهاً يخبره بما شاء، فكيف لا تقدر أنت في مثل خطرك وعظم ما أوتيت من الملك على أن تتخذ إلهاً، فيخبرك بحاجتك ويكفيك ما أهمك، وتستغني به عن الناس، ونحن لك على ذلك مؤازرون؟ قال بخت نصر: فأنتم وذاك.
قالوا: فأعطنا الطاعة والسلطان حتى نفرغ مما تريد، ففعل بهم ذلك، فعملوا طوله في السماء سبعون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً من الألواح ثم دسروه بالحديد والمسامير، وألبسوه الذهب، وكللوه بالياقوت وألوان الجوهر، ثم صنعوا له عيداً عظيماً، وذبحوا له الذبائح، وواعدوا الناس لذلك اليوم يجتمعون فيه، فيعبدون ذلك الصنم ويسجدون له، واتخذوا أخدوداً في الأرض، فأوقدوا فيها ناراً عظيمة، وهم أصحاب الأخدود، وكانت الأخدود باليمن وبابل، فأما الذي كان باليمن فاتخذه يوسف ذوا وناس الحميري، وهو الذي