سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني العلم، ثم أصير في يدك أمياً لا ينتفع بي، فتقتلني، فرأيت بترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه، فتركت السجود نظراً لي ولك، فقال بخت نصر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عدنك علم الرؤيا التي رأيت؟ قال: نعم.
عندي علمها وتفسيرها.
رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ورأسه في السماء.
أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا كنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه، وإحكام صنعته، قذفه الله حتى طحنه، فاختلط ذهبه، وفضته، ونحاسه، وحديده، وفخاره، حتى يخيل لك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم، ويكبر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السما والحجر، قال له بخت نصر: صدقت الرؤيا فما تأويلها؟ فقال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها، وأنت ملكها، وأما الفضة، ابنك من بعدها تملكها، وأما النحاس فأمة الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان تملكها امرأتان، إحداهما في مشرق اليمن، والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الذي قذف به الصنم، فدين يقذف الله به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، يبعث الله نبياً أمياً من العرب، فيدوخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى ملأها، فيحق الله به الحق، ويزهق به الباطل، ويهدي به أهل الضلال، ويعلم به الأميين، ويقوي به الضعفة، ويعز به الأذلة، وينصر به المستضعفين.
قال له بخت نصر: ما أعلم أحداً استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا لأحد عندي يدٌ أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك، فاختر من ثلاث أعرضهن عليك: واحدة أن أردك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خربته، وإن أحببت كتبت لك أماناً تأمن به حيث ما سلكت، وإن أحببت أن تقيم معي، فأواسيك.
قال: أما قولك: تردني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت؛ فإنها أرض كتب الله عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم، وليس تقدر أن تعمر ما خرب الله عز وجل، ولا ترد