وقي ولي البحر لمعاوية، وكان وسوس في آخر أيامه، وكان إذا لقي إنساناً قال: أين شيخي؟ أين عثمان؟ ويسل سيفاً؛ فلما رأوا ذلك جعلوا له في جفنه سيفاً من خشب، فكان إذا ضرب به لم يضر.
قال أبو الحسن الدارقطني: بسر بن أرطاة له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال العلاء بن سفيان: غزا بسر بن أرطاة الروم، فجعلت ساقته لا يزال يصاب منها طرف، فجعل يلتمس أن يصيب الذين يلتمسون عورة ساقته فيكمن لهم كمين، فيصاب الكمين، فجعلت بعوثه تلك لا تصيب ولا تظفر؛ فلما رأى ذلك تخلف في مائةٍ من جيشه، ثم جعل يتأخر حتى تخاف وحده، فبينا هو يسير في بعض أودية الروم إذ رفع إلى قرية ذات جوز كثير، وإذا براذين مربطة بالجوز ثلاثين برذوناً، والكنيسة إلى جانبهم، فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته؛ فنزل عن فرسه فربطه مع تلك البراذين، ثم مضى حتى أتى الكنيسة فدخلها، ثم أغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه وهو وحده؛ فما استقلوا إلى رماحهم حتى صرع ثلاثة، وفقده أصحابه، فلاموا أنفسهم وقالوا: إنكم لأهلٌ أن تجعلوا مثلاً للناس؛ إن كبيركم خرج معكم فضيعتموه حتى هلك، ولم يهلك منكم أحد! فبينا هم يسيرون في ذلك الوادي حتى أتوا مرابط تلك البراذين؛ فإذا فرسه مربوطٌ معها، فعرفوه، وسمعوا الجلبة في الكنيسة فأتوها، فإذا بابها مغلق، فبلغوا طائفةً من سقفها، فنزلوا عليهم وهو ممسكٌ طائفةً من أمعائه بيده اليسرى والسيف بيده اليمنى؛ فلما تمكن أصحابه في الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه؛ فأقبلوا على من كان بقي فأسروه وقبلوا.
فأقبلت عليهم الأسارى فقالوا: ننشدكم الله، من هذا الذي دخل علينا؟ قالوا: بسر بن أرطاة.