قال أبو علي الدقاق: مر بشرٌ ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيامٍ مرة.
فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: لا أذكر أني سهرت ليلةً كاملة، ولا أني صمت يوماً ثم لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد، لطفاً منه سبحانه وكرماً.
ثم ذكر ابتداء أمره كيف كان، كما ذكرناه.
قالت زبدة أخت بشر: دخل علي بشرٌ ليلةً من الليالي، فوضع إحدى رجليه داخل الدار، والأخرى خارجها وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح، فلما أصبح وتهيأ للطهارة سألته وقلت: أقسمت عليك فبماذا تفكرت طول ليلتك؟ قال: تفكرت في بشر النصراني، وبشر اليهودي، وبشر المجوسي، ونفسي واسمي بشر؛ فقلت: ما الذي سبق منك إليه حتى خصك؟ فتفكرت في تفضله علي، ومنته علي في أن جعلني من خاصته، وألبسني لباس أحبائه.
وقيل لبشر: لما لا تصلي في الصف الأول؟ فقال: أنا أعلم أيش يريد، يريد قرب القلوب لا قرب الأجسام.
قال بشر بن الحارث: أشتهي منذ أربعين، أن أضع يداً على يد في الصلاة ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله.
قال أيوب العطار: انصرفت مع بشر بن الحارث يوم الجمعة من مسجد الجامع، فمررنا في درب أبي الليث، وإذا صبيانٌ يلعبون بالجوز، فلما رأوا بشر بن الحارث قالوا: بشر بشر، واستلبوا الجوز ومروا يحضرون، فوقف بشرٌ ثم قال لي: أي قلبٍ يقوى على هذا!؟ إن هذا لدربٌ لا مررت فيه حتى ألقى الله عز وجل.