قال الأصمعي: أنشدت يونس بن حبيب يوماً: " من البسيط "
إن الرياح لتمسي وهي فاترةٌ ... وجود كفك قد يمسي وما فترا
فقال لي يونس: من يقول هذا؟ قلت: الفرزدق، قال: ويك! فيمن؟ قلت: في بشر بن مروان، فقال: قد كان - والله - الفرزدق من مداحي العرب.
كان بشر بن مروان بن الحكم إذا ضرب البعث على أحدٍ من جنده، ثم وجده قد أخل بمركزه، أقامه على كرسي، ثم سمر يديه في الحائط، ثم انتزع الكرسي من تحت رجليه، فلا يزال يتشحط حتى يموت.
وإنه ضرب البعث على رجلٍ حديث عهدٍ بعرس ابنة عمه، فلما صار في مركزه كتب إلى ابنة عمه كتاباً ثم كتب في أسفله:" من البسيط "
لولا مخافة بشرٍ أو عقوبته ... وأن يرى حاسدٌ كفي بمسمار
إذاً لعطلت ثغري ثم زرتكم ... إن المحب إذا ما اشتاق زوار
فورد الكتاب على ابنة عمه، فأجابته وكتبت في أسفله:
ليس المحب الذي يخشى العقاب ولو ... كانت عقوبته في فجوة النار
بل المحب الذي لا شيء يفزعه ... أو يستقر ومن يهواه في الدار
فلما قرأ كتابها قال: لا خير في الحياة بعدها، فأقبل حتى دخل المدينة، فأتى بشر بن مروان في وقت غذائه، فلما فرغ من غذائه أدخل عليه، فقال: ما الذي دعاك إلى تعطيل ثغرك، أما سمعت نداءنا وإيعادنا!؟ فقال له: اسمع عذري، فإما عفوت وإما عاقبت، قال: ويلك وهل لمثلك من عذر! فقص عليه قصته وقصة ابنة عمه، فقال: أولى لك، ثم قال: يا غلام حط اسمه من البعث، وأعطه عشرة آلاف درهم.