بماء، فتوضأ ثم قال: هاتي الخاتم قالت: قد دفعت إليك الخاتم قال سليمان: يا بلقيس اتقي الله فإن الله قد هداك على يدي للإسلام، وأخرجك من الشرك وأهله، وإني قد ائتمنتك على سلطان ربي الذي وهبه لي فلا ينبغي لك أن تخونيني، قالت بلقيس: وأنت يا سليمان فاتق الله، فإن الله قد اصطفاك وأكرمك برسالاته، ولا ينبغي لك أن تخونني، فإني لم أخنك، فقال سليمان: من أخذ الخاتم؟ قالت: أنت أخته ولا أنكرك، فعرف سليمان أن البلية قد نزلت، فاطلع إلى مجلسه فإذا دمرياط جالسٌ على عرشه، فطرح سليمان ثيابه ولبس ثياباً دونها ثم خرج يسيح في الأرض، فإذا جاع دخل بعض القرى فيأتي العجوز جالسةً بباب بيتها فيستطعمها فترده فيقول: أطعميني فإني سليمان، فتقول: سليمان ملك الدنيا وتأخذ التراب والحجارة وترميه به وتقول: لمَ تكذب على سليمان؟ فلم يزل يطوف حتى انتهى إلى بحر القلزم، فإذا صيادون في سفينة يصيدون الحيتان، فقال لهم سليمان: أؤاجركم على نفسي على أن تطعموني.
قالوا: نعم، فاستأجروه كل يومٍ بأربعة أرغفة وحوتين، فكان معهم فإذا جاءت السفينة فيها حيتان أخذ سليمان مكيلاً فنقل الحيتان من السفينة إلى البر، فلم يزل مع الصيادين.
وأنكرت بنو إسرائيل أحكامهم وأمورهم وقضاياهم؛ ففزع بعضهم إلى بعض ولقي بعضهم بعضاً، وفزعت الأشراف إلى الفقهاء فقالوا: ما أنكرتم ما أنكرنا من أمر سليمان؟ فقال الفقهاء: بلى، فقالوا: لئن كان هذا سليمان لقد خولط فهلكت الأرض ومن عليها، فلقي الفقهاء آصف، فقالوا: هل أنكرت من أمر سليمان؟ فقال: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا، وكان آصف غلاماً من أولاد الأنبياء، كان في حجر سليمان قد تبناه، وكان يدخل على نسائه، فقال الفقهاء: لآصف: ادخل على النساء فسلهن؛ فدخل آصف على النساء فسألهن، فقلن: ما هذا سليمان وبكين، وقلن: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا وهلكتم وهلكت الأرض، لا والله ما هو سليمان.
وكان ذلك لتسعٍ وثلاثين ليلةً من بلية سليمان، فخرج آصف فقال: يا معشر بني إسرائيل افعلوا ما أنتم فاعلون، فإن هذا ليس بسليمان، واجتمعت بنو إسرائيل وأجمعوا على أن ينهضوا بالفاسق دمرياط؛ فبلغه ذلك فهرب وذهب معه بالخاتم صبيحة أربعين ليلة من بلية سليمان حتى أتى بحر القلزم، وكان القلزم من أبعد البحور قعراً، فرمى بالخاتم في البحر وقال: لا يرجع إلى سليمان ملكه أبداً، ثم أتى جزيرةً من القلزم فكان فيها، وبعث الله حوتاً تدعى الملكة فالتقمت الخاتم