فمثلت له عند العين امرأة، فلما جاء ليشرب فبصر بالمرأة فانصاع.
فلما جهده العطش أتاها وهي تبكي.
قال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي على ابني، قال: أكان يخلق؟ قالت: لا.
قال: فكان يرزق؟ قالت: لا، وذكر الحديث، قالت: ما بالك هاهنا تركت قومك؟ قال: وأين قومي؟ قالت: ادخل هذه العين فامش فيها حتى تبلغ قومك.
قال: فدخلها فجعل لا يرفع قدمه إلا زيد في علمه فانتهى إلى قومه فأحيا لهم التوراة والسنة.
وأما الهدهد فإن سليمان - صلوات الله على نبينا وعليه - نزل منزلاً فلم يدر ما بعد الماء، فسأل عن بعد الماء، فقالوا: الهدهد فعند ذلك تفقده.
حدث محمد بن إسحاق قال: سار تبع الأول إلى الكعبة.
فأراد هدمها وكان من الخمسة الذين لهم الدنيا بأسرها.
وكان له وزراء.
فاختار منهم واحداً وأخرجه معه وكان يسمى عميارسنا لينظر إلى مملكته، وخرج في مائة ألف وثلاثين ألفاً من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفاً من الرجالة.
وكان يدخل كل بلدة وكانوا يعظمونه وكان يختار من كل بلدةٍ عشرة أنفس من حكمائهم حتى جاء إلى مكة ومعه أربعة آلاف رجل من الحكماء الذين اختارهم من بلدانٍ مختلفة، فلم يتحرك له أحد ولم يعظموه، فغضب عليهم، ودعا عميارسنا وقال: كيف شأن أهل هذه البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري كيف شأنهم وأمرهم؟ قال الوزير: إنهم قوم عربيون جاهلون لا يعرفون شيئاً، وإن لهم بيتاً يقال له الكعبة، وإنهم معجبون بها، ويسجدون للطاغوت والأصنام من دون عز وجل.
قال الملك: إنهم معجبون بهذا البيت؟ قال: نعم.
فنزل ببطحاء مكة معه عسكره، وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت وأن التي سميت كعبة تسمى خربة، وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم.
فأخذه الله عز وجل بالصداع، وفتح من عينيه وأذنه وأنفه وفمه ماءً منتناً، فلم يكن يستقر أحدٌ عنده طرفة عين من نتن الريح، فاستيقظ لذلك وقال لوزيره اجمع العلماء والأطباء وشاورهم في أمري؛ فاجتمع العلماء والأطباء عنده فلم يصبر أحد منهم ولم تمكنهم مداواته؛ قال: قد جمعت حكماء بلدانٍ مختلفة ووقعت في هذه العلة،