للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يقم أحدٌ في مداواتي، فقالوا: بأجمعهم: يا قوم أمرنا أمر الدنيا، وهذا أمرٌ سماويٌ لا نستطيع مرد أمر السماء، واشتد الأمر على الملك، فتفرق الناس وأمره كل ساعةٍ أشد، حتى أقبل الليل وجاء أحد العلماء إلى وزيره فقال: إن بيني وبينك سراً وهو أنه إن كان الملك يصدق لي في كلامه وما نواه عالجته فاستبشر بذلك الوزير وأخذ بيده وحمله إلى الملك وقال للملك إن رجلاً من العلماء ذكر: إن صدق الملك وما نواه في قلبه ولم يكتم شيئاً منه عالجه؛ فاستبشر الملك وأذن له بالدخول عليه فدخل فقال: إن بيني وبينك سراً أريد الخلوة فيه، فخلا به وقال: هل نويت في هذا البيت أمراً؟ قال: نعم، نويت أن أخرب هذا البيت وأقتل رجالهم وأسبي نساءهم، فقال: إن وجعك وبلاءك من هذا، اعلم أن صاحب هذا البيت قويٌ يعلم الأسرار، فيجب أن تخرج من قلبك جميع ما نويت من أذى هذا البيت وذلك خير الدنيا والآخرة، قال الملك: فقد أخرجت جميع المكروهات من قلبي ونويت جميع الخيرات والمعروفات، فلم يخرج العالم الناصح من عنده حتى برأ من العلة وعافاه الله عز وجل بأمر الله جل وعلا من ساعته، وخرج من منزله صحيحاً على دين إبراهيم - صلى الله على نبينا وعليه - وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أول من كسا البيت ودعا أهل مكة فأمرهم بحفظ الكعبة، وخرج هو إلى يثرب.

ويثرب هي بقعةٌ فيها عين ماء ليس فيها نبت ولا بيت ولا أحد فنزل على رأس العين مع عسكره بجمع العلماء والحكماء الذين كانوا معه واختارهم من بلدانٍ مختلفة ورئيس العلماء العالم الناصح الشفيق لدين الله عز وجل الذي أعلم الملك شأن الكعبة، ثم إنهم اجتمعوا وتشاوروا فاعتزل من بين أربعة آلاف رجلٍ عالم أربع مائة رجل، كل من كان أعلم وأفهم وبايع كل واحدٍ منهم صاحبه أنهم لا يخرجون من ذلك المقام وإن ضربهم الملك وقتلهم وقرضهم وأحرقهم وجاؤوا بجملتهم ووقفوا بباب الملك وقالوا: إن خرجنا من بلداننا فطفنا مع الملك زماناً وحيناً ونريد أن نقيم في هذا المقام إلى أن نموت فيه، وإنا قد عقدنا أن لا نخرج من هذا المقام إلى أن نموت، وإن قتلتنا وحرقتنا، فقال الملك للوزير: انظر ما شأنهم يمتنعون عن الخروج معي وأنا أحتاج إليهم ولا أستغني عنهم، وأي حكمةٍ في نزولهم في هذا المقام واختيارهم؟ فخرج الوزير وجمعهم وذكر لهم قول الملك، فقالوا للوزير مثل ما قالوا للملك، قال الوزير: فما الحكمة في ذلك؟ قالوا: أيها الوزير اعلم أن شرف هذا البيت وشرف هذه البلدة بسبب هذا الرجل الذي يخرج، يقال له محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>