إمام الحق، صاحب القضيب والناقة والتاج والهراوة، وصاحب القرآن والقبلة، وصاحب اللواء والمنبر، صاحب قول لا إله إلا الله، ومولده بمكة، وهجرته إلى ههنا فطوبى لمن أدركه وآمن به، وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا فلما سمع الوزير مقالتهم هم أن يقيم معهم؛ فلما جاء وقت الرحيل أمر الملك أن يرحلوا، فقالوا بأجمعهم: لا نرحل، وقد أخبرنا الوزير بحكمة مقامنا ههنا؛ فدعا الملك الوزير فقال له: لم تخبرنا بمقالة القوم، قال: لأني عزمت على المقام معهم وخفت أن لا تدعني، وأعلم أنهم لا يخرجون، فلما سمع الملك منه تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دار، لكل رجلٍ من العلماء دار، واشترى لكل منهم جاريةً وأعتقها وزوجها منه، وأعطى لكل واحد منهم عطاءً جزيلاً، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكتب كتاباً وختمه بالذهب ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أدركه، وإن لم يدركه إلى أولاده، وأولاد أولاده أبداً ما تناسلوا إلى حين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان في الكتاب: أما بعد، يا محمد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزله الله عليك، وأنا على دينك وسنتك وآمنت بربك ورب كل شيء، وبكل ما جاء من ربك عز وجل من شرائع الإيمان والإسلام، وإني قبلت ذلك، فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني، وإني من أمتك الأوابين وبايعتك قبل مجيئك، وقبل إرسال الله تعالى إياك، وأنا على ملتك وملت أبيك إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وختم الكتاب بالذهب ونقش عليه " لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله " وكتب عنوان الكتاب إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلوات الله عليه، من تبع الأول حمير بن وردع، أمانة الله في يد من وقع، إلى أن يوصل إلى صاحبه.
ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له في شأن الكعبة وأمره بحفظها.
وخرج تبع من يثرب، ويثرب هو الموضع الذي نزل به العلماء، وهو مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسار تبع حتى مر بغلسان بلدةٍ من بلاد الهند فمات بها.