العجوة فمسها بيده وأصناف التمر، ثم جلس وسطها، ثم قال: " ادع غريمك "، فجاء أبو الشحم، فقال: " اكتل ".
فاكتال حقه كله من حبلٍ واحد وهو العجوة، وبقية التمر كما هو، فقال: " يا جابر هل بقي على أبيك شيء؟ " قال: لا، وبقي سائر التمر، فأكلنا منه دهراً، وبعنا منه حتى أدركت الثمر من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما على أبي من الدين، فقضى الله ما على أبي من الدين؛ فلقد رأيتني والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لي: " ما فعل دين أبيك؟ " فقلت: قد قضاه الله.
قال: " اللهم اغفر لجابر "، فاستغفر لي في ليلة خمساً وعشرين مرة.
قال جابر: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستعينه في دينٍ كان على أبي.
قال: فقال: " آتيكم ".
قال: فرجعت، فقلت للمرأة: لا تكلمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تسأليه.
قال: فأتانا، فذبحنا له داجناً كان لنا، فقال: " يا جابر كأنكم عرفتم حبنا اللحم! " قال: فلما خرج قالت له المرأة: صل علي وعلى زوجي، أو صل علينا.
قال: فقال: " اللهم صل عليهم ".
قال: قلت لها: أليس قد نهيتك؟ قالت: ترى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل علينا ولا يدعو لنا!.
وعن جابرٍ قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، فجعلت فمي على خاتم النبوة فجعل ينفح علي مسكاً، وقد حفظت منه تلك الليلة سبعين حديثاً ما سمعها معي أحد.
قال جابر بن عبد الله: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فقال: " مرحباً بك يا جابر، جزاكم الله معشر الأنصار خيراً، آويتموني إذ طردني الناس، ونصرتموني إذ خذلني الناس، فجزاكم الله خيراً ".
قال: قلت: بل جزاك الله عنا خيراً، هدانا الله إلى الإسلام، وأنقذنا من شفا حفرة النار، فبك نرجو الدرجات العلا من الجنة.
ثم قال: " يا جابر! هؤلاء الأعنز أحد عشر عنزاً في الدار أحب إليك أم كلمات علمنيهنّ جبريل عليه السلام آنفاً تجمع لك خير الدنيا والآخرة؟ " قال: فقلت: والله يا رسول الله إني لمحتاج وهؤلاء الكلمات أحب إلي، قال: " قل اللهم أنت الخلاق العظيم، اللهم إنك سميع عليم، اللهم إنك غفور رحيم، اللهم إنك رب العرش العظيم، اللهم إنك أنت الجواد الكريم، فاغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واسترني واجبرني