وفي رواية: أن الجحاف كان عند عبد الملك بن مروان فدخل عليه الأخطل فأنشده:
ألا أبلغ الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر
قال: وهم يأكلون تمرا، قال: فجعل الجحاف يأخذ التمرة ويجعلها في عينه من الغضب، ثم نهض وقد سقط رداؤه من جانب، وهو يجره، فقال عبد الملك للأخطل:
ويحك إني أخشى أن تكون قد سقت إلى قومك شراً، فخرج الجحاف حتى أتى قومه وقد أوسق بغالا، فيها حصا في الأحمال يوهم أنها مال، ثم نادى في قومه فاجتمعوا إليه على أخذ الجائزة، فلما اجتمعوا كشف عما فيها فإذا هو الحصا، وقال: انما أردت أن أجمعكم لهذا، ثم أنشدهم قول الأخطل. قال: فمن أراد أن يتبعني فليتبعني، فاتبعه منهم عدة آلاف، فسار. فلما أمسى قال: من كان منكم مضعفا فليرجع، فرجع قوم ثم مضى فقال: من كان يكره الموت فليرجع، فرجع عنه قوم، فسار مسيرة أربع في يوم وليلة حتى صبح حي الأخطل، فأغار عليهم فقتل النساء والصبيان والماشية، وذبح الدجاج والكلاب، وأفلت الأخطل هاربا، فقال
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعول
وإلا تغيرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل
قال: فقيل له: إلى أين؟ قال: إلى النار، فقال له عبد الملك: يابن اللخناء أيكون عن قريش مستماز ومزحل؟ قال: ثم إن الجحاف خاف من عبد الملك، فخرج إلى بلاد الروم فقبله صاحب الروم، ثم إن عبد الملك وجه الصائفة فلقيهم الروم ولقيهم الجحاف مع الروم، فهزمت الصائفة. فلما رجعوا سأل عبد الملك عن الخبر فقالوا: أتينا من الجحاف، فبعث إليه عبد الملك يؤمنه فرجع وعرض عليه صاحب الروم النصرانية والمقام عنده ويعطيه ما شاء فأبى وقال: لم أخرج رغبة عن الإسلام، إنما خرجت حمية، فلما رجع تفكر فيما صنع وندم فدعا مولى له أو اثنين فركبا وركب معهما وقد لبس أكفانا حتى أتى إلى البشر إلى حي الأخطل، فلم يرعهم حتى جاءهم، فقالوا: قد أتى الجحاف فقالوا: