وفي رواية: تركت الذنوب حياء من الناس أربعين سنة. فلما جاوزت الأربعين أدركني الورع. فتركتها حياء من الله عز وجل.
قال الوليد بن مسلم: كان الجراح بن عبد الله الحكمي إذا مشى في مسجد الجامع بدمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.
قال أبو عمرو: بعث الحجاج إذ كان يقاتل مصعباً والحرورية بالعراق إلى صاحب أهل دمشق، فلما أتاه قال له: اطلب لي من أصحابك رجلاً جليداً بئيساً ذا رأي وعقل، فقال: أصلح الله الأمير، ماأحسبني إلا وقد أصبته، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له الجراح، جلدا صحيح العقل يعد ذلك من نفسه، يعني البأس، قال: فابعث إليه، فلما رآه الحجاج قال له: ادن يا طويل، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد، ثم قال: اقعد فقعد تحك ركبته وليس عنده غيره، ثم قال له: قم الساعة إلى فرسك فاحسسه واعلفه وأصلح منه، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم، وتنظر إلى حالاتهم وماهم عليه، ثم تصحبني غداً، ولاتحدثن شيئا حتى تنصرف، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوقون له سألوه عن أمره فقال: سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتل لهم، ثم فعل ما أمره الحجاج، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له، فتوافقا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله، ثم نفر إلى المعسكر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به، ثم انصرف إلى القتيل فاحتز رأسه وأخذ سلاحه