وجذب فرسه وعلث الرأس في عنق فرسه، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت، وتشوف منتظراً الجراح وجعل يومئ بطرفه إلى الناحية التي يظن أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجراح يجذب الفرس، والرأس منوط في لبان فرسه، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفيه: فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم، ومالم تأمرني، حتى وقف بين يديه، فسلم ثم نزل. وحدث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له: انصرف، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة، فدلوا على رحله، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشاً وأقعدوا فيه الجارية، ثم أتوه فقالوا: انهض إلى صلة الأمير وكرامته. فلم يزل الجراح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد، قتلته الخزر سنة خمس ومئة.
قال أبو حاتم: الجراح مولى مسكان أبي هانئ أبي أبي نواس، عني أبو نواس بقوله:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
قال الصلت بن دينار: رأيت في المنام كأن رجلا قطعت يداه ورجلاه وآخر صلب، فغدوت على ابن سيرين فأخبرته بذلك فقال: إن صدقت رؤياك نزع هذا الأمير وقدم أمير آخر قال: فلم نمس من يومنا حتى نزع قطن بن مدرك وقدم الجراح بن عبد الله.
كتب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن توضع عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان،