قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بالقليل من السنة تمسكت بها. قلت: فما تصنع ها هنا؟ قال: أنتظر محمداً ابني، أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم.
حدث إسماعيل بن داود: أن المتوكل وصف له سيف بمصر، فأنفذ رسولاً قاصداً في طلبه، وكتب له إلى عامل مصر، فلما وصل إليه سأله عن السيف فأخبر أن السيف بدمشق، فركب الرسول إلى دمشق وسأل عن السيف، فأخبر أنه صار إلى الحجاز، فعاد الرسول إلى المتوكل فأخبره بذلك، فأنفذ رسولاً إلى الحجاز بكتابه إلى عامله بها، فبحث عن السيف فأخرج إليه، فأخذه ومضى به إلى المتوكل وهو بسر من رأى. فلما رآه المتوكل لم يعجب به ورآه وحشاً واستزراه وتصفح وجوه الغلمان الذين حوله فرأى غلاماً تركياً يقال له ياغر وكان سمجاً، فقال له: أنت وحش وهذا السيف وحش فخذه، فلما صار عنده ومضت مدة دخل ياغر في ليلة من الليالي بالسيف فقتل به المتوكل، وكان من أمره ما كان به.
بويع جعفر المتوكل في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقتل ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر ويوماً واحداً، وأمه أم ولد تركية يقال لها شجاع، وكنيته أبو الفضل، وصلى عليه المنتصر، وكان عمره أربعين سنة، ومولده سنة سبع ومائتين.
قال أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال: غارت زمزم ليلة من الليالي، فأرخناها فجاءنا الخبر أنها كانت الليلة التي قتل فيها جعفر المتوكل.
كان يزيد بن محمد المهلبي من ندماء المتوكل، فلما قتل قال يزيد:
لما اعتقدتم أناساً لا حفاظ لهم ... ضعتم وضيّعتم ما كان يعتقد
ولو جعلتم على الأحرار نعمتكم ... حمتكم الذادة المنسوبة الحسد
قوم هم الجذم والأرحام تجمعكم ... والمجد والدين والإسلام والبلد
إن العبيد إذا ذللتهم صلحوا ... على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا